الفكر الإسلامي

 

محاوراتٌ في الدِّين

 الحلقة (6)

 

بقلم :   الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297هـ/1880م

رئيس الطائفة المؤسسة لجامعة ديوبند

تعريب : الأستاذ محمد ساجد القاسمي*

  

 

  

 

 

المعجزات وإثباتها:

       فإن اختلج في صدر أحد من الناس شبهة – بعدما سمع هذه المعجزات – وهي أنه كيف ثبت لنا أنَّ المعجزات التي تَقَدَّم ذكرها هي من معجزات محمد ، وكيف علمنا أنها ظهرت على يده .

       فالإجابة عن هذه أنه كيف عَلِمنَا أنَّ الأنبياء والمرسلين – ماعدا محمدًا – ظهرت على أيديهم تلك المعجزات التي يلهج بها أتباعهم . فإن كانوا يؤمنون بها لأنها وَرَدَت في التوراة والإنجيل ، فالإيمان بمعجزات محمد لازم؛ لانها وردت في القرآن والحديث .

والتوراة والإنجيل منقطعا الإسناد،والقرآن والحديث متصلا الإسناد :

       لأنّ التوراة والإنجيل ليس لهما إسناد، ولا يُعْلَمُ متى كُتِبَا ومن رواهما . وأما القرآن والحديث فهما متصلا الإسناد منَّا إلى الرسول ، معلوم عدد رواتهما وأنسابهم وأماكنهم وتراجم حياتهم ؛ فمن العجب أن يكون التوراة والإنجيل موثوقًا بهما، وأن لايكون القرآن والحديث موثوقًا بهما ، فما أكبر الظلم وما أبعد عن الإنصاف ! فإن كان التوراة والإنجيل موثوقًا بهما فالقرآن والحديث أكثر موثوقيةً .

الإسلام لايُخَطِّئ الديانات الأخرى:

       ثم أقول : إنّنا لا ندَّعي أنَّ الديانات الأخرى مُزَوَّرةٌ مُخْتَلَقَةٌ افترى بها بنو آدم على الله ؛ بل نقول: هناك دِيَانتانِ سماويتان إحداهما اليهودية، وثانيهما المسيحية ، إلا أنه دَخَلَهما آراء بني آدم . وتسرَّب إليهما التحريف والتبديل.

الديانة الهندوسية :

       أما الديانة الهندوسية فلا نقول عنها عن يقينٍ وتأكيدٍ إنّها ديانة سماوية ، كما لانقول عنها عن يقينٍ وتأكيدٍ إنها ديانةٌ باطلةٌ ليست من الله؛ لأنه جاء في القرآن: «وَاِنْ مِنْ أُمَّةٍ اِلاّ خَلاَ فِيْهَا نَذِيْرٌ» (1) فكيف نقول إنَّ الهند التي هي بلدٌ واسع الأكناف طويل الأرجاء لم يُبْعَثْ إليه نبي ولا رسول. فمن الممكن أنَّ الذين يُسَمِّيهم الهندوس «صلحاء» في ديانتهم كانوا أنبياء الله أو أولياءَه في زمانهم .

       كما جاء في القرآن: «مِنْهُم مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَنْ لم نَقْصُصْ عَلَيْكَ» (2) فمن الممكن أنّ الأنبياء المبعوثين إلى الهند أن يكونوا ممن لم يقصصهم الله في القرآن .

شبهة والرّد عليها :

       وهناك شبهة ، وهي أنَّ «الصالحين» لدى الهندوس لوكانوا أنبياء الله أو رسله أو أولياءه لما ادّعوا الألوهية ، ولم تَصْدُر عنهم الأفعال القبيحة كالزنا والسرقة وما إليهما . والهندوس يعتقدون أنّه صدَرَ عنهم هذان المنكران ، مما يُثْبِتُ أنّ هذين المنكرين قد صدر عنهم دونما ريب .

ألوهية «كَرِشْنَا» و«راما جندرا» افتراء عليهما :

       فالرّد على هذه الشبهة أنه من الممكن أنْ نَسَبَ النّاس دعوى الألوهية إلى «كَرِشْنَا» و «راما جندرا» كذبًا وافتراءً كما نَسَبَ النصارى دعوى الألوهية إلى عيسى عليه السلام كذبًا وافتراءً؛ لأن آيات القرآن والإنجيل تَدُلُّ على أنّه كان مُقِرًّا بعبوديته ، ومارس طول الحياة من الأعمال مايليق بالعبودية : فصلّى وصامَ وتواضَعَ وأقرَّ بلسانه بعجزه .

       على هذا فمن الممكن – كذلك – أنّ الناس اتّهموهما بالزنا والسرقة وهما براء من هاتين المعصيتين كما اتّهم اليهود سيدنا لوطاً وسيدنا داؤد عليهما السلام بالزنا وشرب الخمر رَغْمَ اعترافهم بنبوتهم . ونحن نعتقدهما بَرِيْئَيْنِ من هاتين المعصيتين .

سبيل النجاة :

       خلاصة القول أننا لا ندعي أنَّ الديانات كلّها باطلة ليست سماويةً ، وإنما ندعي أنَّ النجاة لايمكن إلا باتباع دين محمد ، وأنه اتباعه يجب على النّاس كلّهم في هذا الزمان .

إزالةُ سوء الفهم عن معنى النسخ :

       وأما الشبهة بأن الديانات كلها إذن تَعُوْدُ منسوخةً، ويُوْهِم ذلك أنّ الله قد أخطأ في أحكامه السابقة فاستدركها وأَصْلَحَها وغَيَّرها بأحكامٍ أخرىٰ ؛ فالإجابة عنها أنَّ النسخ كلمةٌ عربيةٌ، فَنُخبِرُكم عن معناه .

       ما هو النسخ ؟: النسخ عبارة عن تبديل الأحكام وتغييرها.

       ولما كانَ حُكَّام الدنيا لايُغَيِّرون أحكامهم بأخرى إلا إذا وجدوا خطأ في أحكامهم السابقة، فهذا يُثِيْرُ شبهةً . والنسخ هو تغيير الإحكام فحسب ، ومثل تغيير أحكام الله بأخرى مثل وصفة «المنضج» و«المسهل» فهما مناسِبَتَان في وقتهما؛ ولذلك تُغَيَّر وصفة «المنضج» بعد انتهاء موعدها بوصفة «المسهل» وهذا التغيير لا يُعْتَبَر خطأً في وصفة المنضج . كذلك الشأن في اليهودية والمسيحية ، وهما كانتا مناسبتين في عصريهما، وفي هذا العصر وَجَبَ اتباع دين محمد ؛ لأنَّ الديانات كلها قد انتهت مواعيدها ، وجاء عصر دين محمد ، فتوقف النجاة من غضب الله وعذاب الآخرة على اتباع دينه .

مثالٌ بديع :

       إنَّ النائب السابق : «لورد نورث بروك» (3) لايجزئ اتباع أحكامه في هذه الأيام، وإنما يجب اتباع النائب الحالي؛ «لورد ليتن» (4) في أحكامه، في هذه الأيام . كذلك لايجزئ اتباع الديانات السابقة في هذا العصر؛ بل يجب اتباع دين محمد في هذا العصر. فالتخلص من عقاب الحكومة لايمكن إلا باتباع النائب الحالي في أحكامه . فإن قال مصاب بالجنون إنَّ النائب السابق هو الآخر كان نائبًا للملكة ، فلا يكون معذورًا . كذلك الذين يقولون إنَّ سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام كانا من أنبياء الله ورسله ليسوا بمعذورين .

لو كان الأنبياء السابقون في هذا العصر لاتبعوا محمدًا في دينه :

       بل لو كان النائب السابق في هذا العصر لاتبع أحكام النائب الحالي ؛ لذلك لو كان سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام في هذا العصر لا تبعا محمدًا في دينه . فإن اعترض أحد – حسب معتقده – على سيدنا محمد نَرُدُّ عليه ردًا مُفْحِمًا .

*  *  *

الهوامش :

 

(1)         سورة فاطر ، الآية : 24 .

(2)         سورة غافر ، الآية : 78 .

(3)     لُوْرْد نَورْث بُرُوك (Lord North brook) حاكم ونائب الملكة البريطانية في الهند، في الفترة ما بين 1872 و 1876م، وُلِدَ عام 1826م ، وتعلَّم في الكنيسة المسيحية بأوكسفورد . كان لأسرته علاقات وطيدة بالهند منذ بداية عهد الاستعمار البريطاني في «بنغال» فقد نزل كثير من أعضاء أسرته بالهند تجارًا، ومنهم من استوطنوها . وكان جده مديرًا ذا سلطة ونفوذ في الشركة الهندية الشرقية . مات عام 1904م .

(4)      لُوْرْد لِيْتِن (Lord Lytton) حاكم بريطاني في «بنغال» في الفترة ما بين 1922 و 1927م ، تولّى منصب نيابة الملكة البريطانية في الهند لمدةٍ يسيرةٍ . وُلِدَ في «شِمْلَه» عام 1876م ، عندما كان أبوه «إدْوَارد رُوْبَرْتْ لِيْتن» (Edward Robert Lytton) حاكمًا من «بريطانيا» في الهند . وتعلَّم في كليات «كيمبردج» مات عام 1947م.

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب المرجب 1428هـ = يوليو – أغسطس  2007م ، العـدد : 7 ، السنـة : 31.

 



* أستاذ بالجامعة الإسلامية : دارالعلوم ، ديوبند .